top of page

ربيعةُ الرأي

نسبه 
ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ القرشي التيمي مولاهم أبو عبد الرحمن، ويقال أبو عثمان المدني، التابعي الجليل، مفتي المدينة وعالمها، المعروف ربيعة الرأي

خرج أبو فروخ في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازياً وربيعة حمل في بطن أمه، وخَلّفَ عند زوجته ثلاثين ألف دينار، فلما قَدِم المدينة بعد سبع وعشرين سنة دفع باب منزله ودخل، فقال له ابنه: (يا عدو الله أتهجم على منزلي) ! فقال الأب: (يا عدو الله أنت رجل دخلت على حرمتي)، فتواثبا حتى اجتمع الجيران، فقال الأب: (هذه داري وأنا فروخ)، فلما سمعت زوجته كلامه قالت: (هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفته وأنا حامل به فاعتنقوا جميعاً وبكوا).ثم سألها عن المال الذي تركه عندها، فقالت: (قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام)، فخرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته حيث اجتمع إليه أشراف أهل المدينة، وقالت أم ربيعة لزوجها: اخرج إلى مسجد رسول الله، فوجد فيه حلقة كبيرة جلس إليها ونكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره وشك فيه أبوه، فقال: من هذا الرجل؟ فلما أخبروه به، قال: (لقد رفع الله ابني)، ثم رجع إلى بيته قائلاً لزوجته: (لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحداً من أهل العلم والفقه عليها)، فقالت: (أيما أحب إليك ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه؟) قال: (لا والله إلا هذا)، قالت: (فإني قد أنفقت المال كله عليه)، قال: (فوالله ما ضيعته).

صفاته
أدرك ربيعة من أصحاب النبي   أنس بن مالك، والسائب بن يزيد وروى عنهما، وعن عامة التابعين من أهل المدينة، وتلقَّى عنه العلم كبار العلماء، كمالك وأبي حنيفة والثوري وشُعبة والليث بن سعد والأوزاعي وغيرهم.

عُرف بربيعة الرأي؛ لاشتهاره باستعمال الرأي والقياس، لكن هذا لا يعني أنه هجر السُّنة، قال عبد العزيز ابن أبي سلمة: لما جئت العراق جاءني أهل العراق فقالوا: حدثنا عن ربيعة الرأي، فقلت: يا أهل العراق تقولون ربيعة الرأي، والله ما رأيت أحداً أحفظ لسُنَّة منه، وكان يحيى بن سعيد وهو من كبار المحدثين يحدّث؛ فإذا حضر ربيعة كف عن التحديث إجلالاً له مع أنه من أقرانه.

وقد كان ربيعة من أوعية العلم، واتفق العلماء من المُحدثين وغيرهِم على توثيقه وعظم مرتبته في العلم والفهم، وقال الخطيب البغدادي: (كان ربيعة فقيهاً عالماً حافظاً للفقه والحديث).

وكان صاحبَ الفتوى بالمدينة يجلس إليه وجوه الناس، ويُحصى في مجلسه أربعون معتمَّاً، شهد له العلماء بالتفوق، فقال يحيى بن سعيد: (ما رأيت أعقل من ربيعة، وكان صاحبَ معضلات أهل المدينة ورئيسَهم في الفُتيا)، وقال عبيد الله بن عمر: (هو صاحبُ معضلاتنا وعالمِنُا وأفضلُنا)، وكان القاسم بن محمد - وهو أحد الفقهاء السبعة - إذا سئل عن شيء قال: (سلوا هذا لربيعة)، وصِف أنه ما كان بالمدينة رجل واحد أسخى نفساً منه بما في يديه.

وقد استقدمه أبو العباس السفاح إلى الأنبار ليُّوليه القضاء فلم يفعل، وعرض عليه العطاء فلم يقبل.

وكان ربيعة بصيرًا بالرأي (وأصحاب الرأى عند أهل الحديث هم أصحاب القياس؛ لأنهم يقـولون برأيـهم فيـما لم يجدوا فيه حديثًا أو أثرًا)، وعُرف بالجود والكرم، حيث أنفق على إخوانه (40) ألف دينار.. ولما قَدِم السَّفاح (المدينة) أمر له بمال فرفضه.. وقال عنه ابن الماجشون: (مارأيت أحدا أحفظ للسُنَّة من (ربيعة) وقال عبد الله الصنعانى: (أتيت (مالك بن أنس) فجعل يحدث عن (ربيعة الرأي) فكنُّا نستزيده من حديث ربيعة. 

وفاته
تـوفي سنـة 136هـ - 753م، بالهـاشمية وهي المـدينـة التـي بنـاها السفـاح بالأنبار، وقيل بالمدينة، ويوم مات قال الإمام مالك: ذَهَبَتْ حلاوةُ الفِقه.

bottom of page